مقابلة القائم بالأعمال الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأردن، سعادة السيد داوود كلانتري، مع شبكة أخبار الشرق الأوسط
أكد القائم بالأعمال الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأردن، مع بدء مهمته الدبلوماسية، على أهمية تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين، مشيراً إلى أن أولويته هي تطوير التعاون في مختلف المجالات وحل العقبات المحتملة عبر الحوار.
ووصف الوضع الإنساني في غزة بـالكارثي، داعياً المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف جرائم الكيان الصهيوني. كما شدّد على أن البرنامج النووي الإيراني سلمي بالكامل، وأن الحلول العسكرية غير مجدية، مؤكداً حق إيران في التخصيب السلمي بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT).
وأعرب عن أمله في أن تشهد المرحلة القادمة صفحة جديدة من التفاعل الإيجابي والبنّاء بين طهران وعمّان.
- سعادة القائم بالأعمال، نرحب بكم في بلدنا ونهنئكم على بدء مهمتكم الدبلوماسية. نأمل أن تكون فترة عملكم في الأردن مليئة بالنجاحات، والتفاعل البنّاء، وتعزيز علاقات الصداقة بين بلدينا. نشكركم على منحنا هذه الفرصة لإجراء هذا الحوار معكم.
أشكركم جزيل الشكر على هذا الترحيب الحار والودي. إنه لشرف لي أن أبدأ مهمتي الدبلوماسية للمرة الثانية في المملكة الأردنية الهاشمية. وآمل خلال فترة مهمتي أن أتمكن، من خلال التعاون مع جميع الأطراف، من اتخاذ خطوات فعالة لتعزيز العلاقات الثنائية، ورفع مستوى التعاون في مختلف المجالات، وترسيخ الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية بين الشعبين. كما أود أن أعبر عن امتناني لهذه الفرصة للتحدث إليكم.
- سعادة القائم بالأعمال، من اللافت أنكم تأتون إلى الأردن للمرة الثانية. هل يمكن أن تطلعونا قليلاً على خلفيتكم المهنية والدبلوماسية، وكذلك على أولوياتكم وأهدافكم في هذه المهمة؟
قبل مجيئي إلى الأردن، كنت أعمل في وزارة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية نائب مديرعام لدائرة غرب آسيا وشمال أفريقيا، كما أنني شغلت مناصب دبلوماسية في الكويت والعراق كمستشار سياسي. وتتمثل أولويتي في هذه المهمة توسيع وتعميق العلاقات بين البلدين بهدف تحقيق الأهداف المشتركة، وضمان المصالح المتبادلة، والوصول إلى التقدم والرفاه لكلا الدولتين المهمتين في المنطقة. هناك العديد من المجالات التي يمكن لإيران والأردن أن يتعاونا فيها من خلال استثمار الفرص المتاحة.
- ما هي الفرص التي حددتموها لتعميق التعاون خلال فترة مهمتكم؟
كما ذكرت، هناك فرص كبيرة للتعاون بين إيران والأردن في مجالات العلم، الطب، السياحة، الرياضة، الاقتصاد، فضلاً عن التنسيق داخل المنظمات الإقليمية والدولية والتواصل السياسي، وهي مجالات يمكن أن تعود بفوائد كبيرة على البلدين.
- ما هي التحديات التي حددتموها في العلاقات الثنائية، وما هي الحلول التي تقترحونها لمعالجتها؟
يمثل الأردن دولة ذات مكانة مهمة في المنطقة، وله رؤى متميزة تتناسب مع هذه المكانة. كما هو الحال مع بقية دول المنطقة، فإن وجود بعض التباينات في الرؤى بين الدول أمر طبيعي، ولا تُستثنى إيران والأردن من هذه القاعدة. ما يهم هو الأهداف الكبرى التي تجمع بلدينا لتحقيق الخير والسلام والتقدم المستمر لشعبيهما والمنطقة، وعلينا أن نعمل في هذا الاتجاه. لا توجد تحديات خطيرة في علاقاتنا مع الأردن، وسنعمل من خلال التشاور والتكامل على معالجة بعض القضايا المشتركة وإزالة أي عوائق.
- دعنا ننتقل إلى قضية فلسطين، وهي دائماً أولوية واهتمام دائم للجمهورية الإسلامية. كيف تقيمون الوضع الإنساني في غزة؟ وما المطلوب لوقف هذه الكارثة فوراً؟
نحن قلقون للغاية إزاء الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة. ما يحدث اليوم هناك هو مأساة إنسانية، حيث يتعرض المدنيون العزّل، بمن فيهم النساء والأطفال، لهجمات وحشية وممنهجة من قبل الكيان الصهيوني. الجرائم التي يرتكبها هذا الكيان، خاصة منعه المتعمد لوصول المياه والغذاء والدواء إلى السكان، تمثل انتهاكاً صارخاً للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ويجب أن تُدان بشدة من قبل المجتمع الدولي.
نحن نعتقد أن وقف الإبادة الجماعية الجارية في غزة يتطلب تحركاً عاجلاً ومنسقاً من المجتمع الدولي والدول الإسلامية. إن استخدام كل الأدوات القانونية والسياسية والدبلوماسية أمر ضروري، ليس فقط لوقف هذه الجرائم، بل أيضاً لتهيئة حل دائم لإنهاء الاحتلال واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.
- ما هو دور إيران في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة؟ وما الحلول التي تطرحونها؟ وكيف تنظرون إلى دعم أمريكا لإسرائيل؟
الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي الوقت الذي ترفض فيه بعض المزاعم حول تدخلها في مفاوضات وقف إطلاق النار، فإنها، بالتوازي مع معظم دول العالم، تدين بشدة الإبادة الجماعية في غزة، وتدعم أي مسار يمكن أن يؤدي إلى وقف جرائم الكيان الصهيوني وتخفيف معاناة أهالي غزة.
ولتحقيق وقف إطلاق نار دائم وإنقاذ أرواح المدنيين، يجب على الولايات المتحدة أن توقف دعمها العسكري القاتل لهذا الكيان، وأن تُجبره على وقف الإبادة الجماعية، كما يجب تسهيل دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها بشكل كريم من خلال آليات دولية معترف بها.
- برأيكم، ما هي تداعيات خطة ضم الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة على القضية الفلسطينية؟
خطة ضم الضفة الغربية من قبل الكيان الصهيوني تمثل جزءاً من خارطة طريق تهدف إلى شطب القضية الفلسطينية بالكامل واستمرار الاحتلال. وعلى الدول الإسلامية أن تتخذ موقفاً حازماً وموحداً لمنع كارثة أكبر في المنطقة.
- إيران أعربت مراراً عن استيائها من المعايير المزدوجة للدول الغربية فيما يتعلق بالأسلحة النووية، خصوصاً تجاه إسرائيل. هل يمكنكم توضيح هذا الموقف؟
الجمهورية الإسلامية الإيرانية حذرت باستمرار من المعايير المزدوجة التي تعتمدها الدول الغربية في التعامل مع مسألة الأسلحة النووية، والمثال الأوضح على ذلك هو موقفها من الكيان الصهيوني، الذي، وبحسب اعتراف هيئات دولية وخبراء مستقلين، يمتلك بين 100 و400 رأس نووي، دون أن يكون عضواً في أي من اتفاقيات ضبط التسلح النووي، مثل معاهدة عدم الانتشار (NPT)، ودون أي رقابة.
في المقابل، إيران، العضو الملتزم في معاهدة عدم الانتشار، تخضع لأشد أنواع الرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأكدت مراراً أن برنامجها النووي سلمي بالكامل. ومع ذلك، تواجه ضغوطاً سياسية واقتصادية قاسية، بينما تلتزم الدول الغربية الصمت الكامل تجاه الترسانة النووية الصهيونية.
هذا التناقض لا يقوض فقط الثقة بالآليات الدولية، بل يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة. وطالما استمر هذا التمييز الفاضح في تنفيذ الالتزامات الدولية، فإن الحديث عن نظام عالمي قائم على القانون يبدو أقرب إلى شعار سياسي منه إلى واقع عملي.
كما أن إيران دعت باستمرار إلى إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وتعتبر ذلك ضرورة لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة. وتحقيق هذا الهدف يتطلب التخلي عن المعايير المزدوجة وممارسة ضغوط حقيقية على الكيانات التي تمتلك مثل هذه الأسلحة خارج الأطر الدولية.
- ما هو موقفكم من الهجوم الأمريكي والإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية؟
قصف المنشآت النووية الإيرانية أثبت ما كنا نقوله دائماً: لا يوجد حل عسكري للبرنامج النووي الإيراني. وإن كانت هناك مخاوف من انحراف البرنامج النووي نحو أهداف غير سلمية، فإن الخيار العسكري أثبت فشله، وربما يكون الحل التفاوضي هو الأكثر جدوى.
الهجوم الأمريكي على منشآت إيران النووية أثناء المفاوضات، والدعم المقدم لإسرائيل، يُعدّ دعماً لجرائم دولية وانتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. لقد وجّه هذا العدوان ضربة قوية لمبدأ الدبلوماسية والتفاوض، ولا يمكن التقليل من شأنه. فأن يتم شن هجوم في وقت تجري فيه مفاوضات هو أمر غير مسبوق، خصوصاً ضد منشآت نووية سلمية تخضع لرقابة الوكالة الدولية على مدار الساعة ولا يمكن تحويلها لأغراض عسكرية.
الجمهورية الإسلامية لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، وهي عضو في معاهدة عدم الانتشار، ما يعني أنها يجب أن تتمتع بكامل حقوق المعاهدة، بما في ذلك الحق في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بما يشمل التخصيب. المعاهدة نفسها تتيح للدول الأعضاء القيام بالتخصيب دون سقف، طالما لا تسعى للسلاح النووي.
نحن نحتاج إلى التخصيب لتلبية احتياجاتنا التقنية. مفاعل طهران البحثي يستخدم في إنتاج أدوية علاج السرطان. في عام 2011، تم منعنا من الحصول على المواد اللازمة للمفاعل، فبدأنا التخصيب بنسبة 20% لتغطية هذه الحاجة، لأن عدم القيام بذلك كان سيُلحق ضرراً بالغاً بالمرضى. لذلك نؤكد أن التخصيب السلمي في إيران ضرورة، وموقفنا قانوني تماماً وفقاً لمعاهدة عدم الانتشار.
- إيران أكدت مراراً قدرتها على الدفاع عن نفسها. كيف تتوازى هذه القدرة مع دعمكم للدبلوماسية؟ وكيف تتوازنون بين الاستعداد العسكري والانفتاح على الحوار؟
الجمهورية الإسلامية الإيرانية قادرة تماماً على الدفاع عن نفسها ضد أي اعتداء، وتمتلك قدرات عسكرية متقدمة. الاستعداد الدفاعي للقوات المسلحة مبدأ أساسي لدينا. لكن في الوقت نفسه، نحن نؤمن بالدبلوماسية وندعمها.
شرط أي مفاوضات هو تغيير السلوك والنظرة للمبدأ التفاوضي. لا يجوز استخدام الدبلوماسية كأداة للضغط أو التهديد. وإذا تأكدنا أن مصالح الشعب الإيراني يمكن تأمينها من خلال التفاوض، فلن نتردد في استخدام الدبلوماسية.
أما فيما يتعلق بتهديدات المسؤولين الأمريكيين، فنؤكد أنه إذا تكرر الاعتداء، فإن ردّنا سيكون أقوى، ولن يكون بالإمكان التغطية عليه.
- هل هناك احتمال لعودة مفتشي الوكالة الدولية إلى إيران؟ وتحت أي إطار؟ وما هو وضع منشآتكم حالياً بعد الهجوم؟
للمرة الأولى في التاريخ، تتعرض مواقع خاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لهجوم. لذلك نحن نطالب بضمانات إضافية. حالياً نحن على تواصل من نوع ما مع الوكالة، لكننا أيضاً ملتزمون بقانون جديد أقره مجلس الشورى الإسلامي، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار. أما تفاصيل الوضع الحالي للمنشآت، فيجب انتظار التقارير الرسمية.
- ما هو تقييمكم لدور الدول الأوروبية في الاتفاق النووي (برجام) ومستقبل هذا الاتفاق؟
الأطراف الأوروبية حاولت طويلاً استخدام بعض البنود الواردة في القرار 2231 كأدوات تفاوضية للضغط على إيران، وقد أكدنا مراراً أن هذه الأدوات غير فعالة. الأوروبيون، بدعمهم لإسرائيل والولايات المتحدة، أضعفوا مصداقية القرار 2231.
من الناحية القانونية والسياسية والأخلاقية، لا يملك الأوروبيون موقعاً يؤهلهم لتفعيل آلية الزناد (سناب باك)، لأنهم فشلوا في الوفاء بالتزاماتهم ضمن الاتفاق. ومن دعم بعضهم لمقترح “التخصيب الصفري” الأمريكي، لم يعد يحق له اعتبار نفسه طرفاً في الاتفاق، لأن الاتفاق يعترف صراحة بحق إيران في التخصيب حتى مستوى 3.67%.
وعندما انسحبت أمريكا من الاتفاق عام 2018، تعهّد الأوروبيون بضمان المنافع الاقتصادية لإيران، لكنهم لم يفعلوا شيئاً عملياً. بل إنهم دعموا الهجوم على منشآت إيران. فكيف يمكنهم الادعاء بأنهم أوفوا بتعهداتهم؟
الأوروبيون ليسوا في موقع يمكنهم من تفعيل سناب باك، وإذا فعلوا ذلك فسيخلق انقساماً داخل مجلس الأمن، إذ أن بعض أعضائه يعارضون هذه الخطوة، ما سيضر بالنظام الدولي ووحدة المجلس. وإذا تم تفعيل الآلية، فستتخذ إيران إجراءات مقابلة، وعلى الأوروبيين تحمّل تبعاتها. نحن لا نرى في هذه الخطوة تحركاً ذكياً، لكن إذا أقدِموا عليها، فعليهم تحمّل مسؤوليتها.
- نشكركم سعادة القائم بالأعمال على وقتكم، ونتمنى لكم النجاح في مهمتكم الجديدة، ونأمل أن نشهد صفحة جديدة من العلاقات البنّاءة والفاعلة بين بلدينا.
وأنا بدوري أشكركم على هذه الفرصة، وآمل أن أؤدي مهمتي بمسؤولية وفاعلية في هذا المسار.